التعايش السلمي- ضرورة إستراتيجية لازدهار الشرق الأوسط واستقراره
المؤلف: عبدالرحمن الجديع08.24.2025

لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط، ولسوء الحظ، مركزًا حيويًا للأزمات والصراعات المتواصلة، والتي بدورها تلقي بوطأة ثقيلة على استقرار المنطقة وتطورها، وتعيق تقدمها وازدهارها المنشود. على مر التاريخ، عانت هذه الرقعة الجغرافية من ويلات الحروب التي سيطرت على مصائر شعوبها، وقيّدت مستقبل أجيالها لقرون مديدة. ورغم أنهار الدماء التي أريقت، إلا أن تأثير هذه الصراعات ما زال مستمرًا، ليطال كل جانب من جوانب الحياة.
في خضم هذه الظروف القاسية، وما نتج عنها من مصاعب جمة وتحديات عسيرة، يظهر جليًا التعايش السلمي كحل جذري لا غنى عنه، وضرورة استراتيجية ملحة للخروج من دائرة العنف والتدمير المستمرة. فقد أثبتت الأحداث الماضية، بشكل قاطع، أن الحروب لا تجلب معها سوى الخراب والدمار الشامل، وتدهور البنية التحتية، وضياع الموارد الثمينة، وإذكاء نار الكراهية والعداء بين الأمم، مما يؤدي إلى حلقة مفرغة من الألم واليأس، نشهد فصولها المأساوية في كل يوم.
كما هو معلوم ومؤكد في مجال العلاقات الدولية، فإن الجوار الجغرافي لا يمثل بالضرورة توافقًا سياسيًا، بل غالبًا ما تسعى الدول جاهدة لتعزيز نفوذها على حساب إضعاف الآخرين، خاصة وأن لكل دولة تاريخًا وثقافة فريدة، تغذي طموحاتها وتوجه رؤيتها لمكانتها، وتؤثر بشكل كبير في سلوكها على الصعيدين الإقليمي والدولي.
في هذا السياق الحساس، برزت أهمية مفهوم «التعايش السلمي (Peaceful Coexistence)» في العلاقات الدولية بشكل واضح في مستهل القرن العشرين، حيث تبنى لينين هذا المفهوم كأداة لحماية الدولة السوفيتية الناشئة، وتطبيع العلاقات مع الدول الرأسمالية الكبرى. واستمر العمل بهذا المفهوم في مراحل لاحقة، ومن أبرزها النزاع السوفيتي الصيني الذي حدث في أوائل سبعينيات القرن الماضي.
ومن الجدير بالذكر أن الصين قد تبنت مبدأ التعايش السلمي كنهج أساسي في سياستها الخارجية، وأكدت على خمسة مبادئ جوهرية، وهي الاحترام المتبادل للسلامة الإقليمية والسيادة الوطنية، والامتناع عن الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضنا البعض، والمساواة وتحقيق المنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي. وقد حظيت هذه المبادئ بتقدير واعتراف المجتمع الدولي في مؤتمر باندونغ التاريخي عام 1955 في إندونيسيا، والذي شكل النواة الصلبة لمنظمة عدم الانحياز التي تأسست لاحقًا عام 1961 في بلغراد.
هذا الاتجاه الإيجابي تبنته لاحقًا الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الخامسة والعشرين، وذلك ضمن إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة الذي وقعته أغلب دول العالم، وقد شكل هذا الإعلان إطارًا حاكمًا للعلاقات بين الدول منذ معاهدة وستفاليا الخاصة بسيادة الدولة القومية. هذه المبادئ الخمسة للتعايش السلمي أصبحت بمثابة نهج متبع لتعزيز التفاهم المتبادل بين الدول، وترسيخ دعائم السلام والأمن الدوليين، وتحقيق الاستقرار والازدهار والاحترام المتبادل بين جميع الأطراف.
وفي الإطار نفسه، ظهر مصطلح «الوفاق (Détente)» وهو مصطلح مشتق من اللغة الفرنسية الراقية، ويعني تخفيف حدة التوتر، وذلك لوصف مرحلة حاسمة من خفض التصعيد الجيوسياسي الحاد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، إبان فترة الحرب الباردة الطويلة، بدءًا من عام 1969. وقد تميزت تلك المرحلة بمساعٍ دبلوماسية مكثفة، لم تنهِ الحرب الباردة بشكل كامل، لكنها أسهمت في تقليل حدة التوتر، ومهدت الطريق لعقد معاهدات مهمة للحد من التسلح، وتقليص مخاطر المواجهة النووية التي كانت تهدد العالم.
وبالنظر إلى واقع منطقة الشرق الأوسط المتقلب، فإن المشهد الجيوسياسي في المنطقة تهيمن عليه أحداث دموية مروعة استقطبت اهتمام العالم أجمع، وفي مقدمتها مجازر الإبادة الجماعية البشعة في غزة العزيزة، وحرب التجويع القاسية، والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة والصارخة للقانون الدولي والمواثيق الأممية، وذلك في ظل إصرار إسرائيل العنيد على مواصلة عملياتها العسكرية المدمرة، وتجاهلها التام للرأي العام الدولي والمطالب المستمرة بوقف هذه الاعتداءات.
وقد صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، بنيامين نتنياهو، وبشكل علني وصريح، بعدم استعداده إطلاقًا للتخلي عن السيطرة الأمنية الكاملة على الأراضي الواقعة غربي نهر الأردن، وهو ما يؤكد استمرار الفوضى السياسية والعسكرية التي تمارسها إسرائيل دون رادع حقيقي من المجتمع الدولي. وجاء تصويت الكنيست الإسرائيلي الأخير (الأربعاء 23 من الشهر الجاري)، بالموافقة على مشروع القانون المتعلق بفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية المحتلة وغور الأردن، ليصب المزيد من الزيت على نار التوتر المتصاعد، حيث يهدف هذا المشروع الخطير إلى بسط القانون الإسرائيلي على هذه المناطق الفلسطينية المحتلة، وفرض الهيمنة الإسرائيلية من خلال اتباع سياسات أحادية مدمرة، وتغليب منطق القوة الغاشمة، وهو ما يلقى معارضة شديدة من المملكة الأردنية الهاشمية والجامعة العربية والمجتمع الدولي بأكمله، الذي يعتبر الضفة الغربية أراضٍ محتلة، ويدعو إلى حل الدولتين العادل والشامل.
وفي ظل هذه الأوضاع المتأزمة والملتهبة، فإن تحقيق الاستقرار الإقليمي المنشود يتطلب بذل جهود حقيقية وصادقة لتعزيز التعاون البناء والحوار المثمر بين دول المنطقة. فالمفاوضات الإقليمية الجادة هي الأداة المحورية لتجاوز التوترات التاريخية العميقة والانقسامات الراهنة، وينبغي أن تستند هذه المفاوضات إلى مبادئ القانون الدولي الراسخة، والاحترام المتبادل الصادق، والمصالح المشتركة التي تعود بالنفع على الجميع.
ويدرك المجتمع الدولي بأسره أن ازدهار أي دولة في المنطقة لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن استقرار جيرانها وازدهار البيئة المحيطة بها، مما يفرض تبني مقاربة جماعية شاملة تضع المصلحة الإقليمية العليا فوق الحسابات الضيقة والمصالح الآنية، وشهوة السيطرة والتوسع التي لا طائل منها، والتوترات الأيديولوجية العقيمة المثقلة بالأوهام والصراعات المدمرة.
لقد آن الأوان لتوجيه مسار الجهود بعيدًا عن الحروب الطاحنة والنزاعات العبثية، وتبني نهج جديد ومبتكر في صياغة نظام إقليمي جديد يُعلي من شأن المصالح العربية المشتركة، ويستند إلى مقررات الشرعية الدولية بشأن السلام العادل والشامل، مع وضع القضية الفلسطينية العادلة في قلب هذا النظام الإقليمي الجديد. ويجب أن يكون حل الدولتين هو الأساس الصلب لهذا التوجه، إلى جانب كبح جماح التهور الإسرائيلي الذي يهدد استقرار وأمن سائر دول المنطقة.
في خضم هذه الظروف القاسية، وما نتج عنها من مصاعب جمة وتحديات عسيرة، يظهر جليًا التعايش السلمي كحل جذري لا غنى عنه، وضرورة استراتيجية ملحة للخروج من دائرة العنف والتدمير المستمرة. فقد أثبتت الأحداث الماضية، بشكل قاطع، أن الحروب لا تجلب معها سوى الخراب والدمار الشامل، وتدهور البنية التحتية، وضياع الموارد الثمينة، وإذكاء نار الكراهية والعداء بين الأمم، مما يؤدي إلى حلقة مفرغة من الألم واليأس، نشهد فصولها المأساوية في كل يوم.
كما هو معلوم ومؤكد في مجال العلاقات الدولية، فإن الجوار الجغرافي لا يمثل بالضرورة توافقًا سياسيًا، بل غالبًا ما تسعى الدول جاهدة لتعزيز نفوذها على حساب إضعاف الآخرين، خاصة وأن لكل دولة تاريخًا وثقافة فريدة، تغذي طموحاتها وتوجه رؤيتها لمكانتها، وتؤثر بشكل كبير في سلوكها على الصعيدين الإقليمي والدولي.
في هذا السياق الحساس، برزت أهمية مفهوم «التعايش السلمي (Peaceful Coexistence)» في العلاقات الدولية بشكل واضح في مستهل القرن العشرين، حيث تبنى لينين هذا المفهوم كأداة لحماية الدولة السوفيتية الناشئة، وتطبيع العلاقات مع الدول الرأسمالية الكبرى. واستمر العمل بهذا المفهوم في مراحل لاحقة، ومن أبرزها النزاع السوفيتي الصيني الذي حدث في أوائل سبعينيات القرن الماضي.
ومن الجدير بالذكر أن الصين قد تبنت مبدأ التعايش السلمي كنهج أساسي في سياستها الخارجية، وأكدت على خمسة مبادئ جوهرية، وهي الاحترام المتبادل للسلامة الإقليمية والسيادة الوطنية، والامتناع عن الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضنا البعض، والمساواة وتحقيق المنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي. وقد حظيت هذه المبادئ بتقدير واعتراف المجتمع الدولي في مؤتمر باندونغ التاريخي عام 1955 في إندونيسيا، والذي شكل النواة الصلبة لمنظمة عدم الانحياز التي تأسست لاحقًا عام 1961 في بلغراد.
هذا الاتجاه الإيجابي تبنته لاحقًا الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الخامسة والعشرين، وذلك ضمن إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة الذي وقعته أغلب دول العالم، وقد شكل هذا الإعلان إطارًا حاكمًا للعلاقات بين الدول منذ معاهدة وستفاليا الخاصة بسيادة الدولة القومية. هذه المبادئ الخمسة للتعايش السلمي أصبحت بمثابة نهج متبع لتعزيز التفاهم المتبادل بين الدول، وترسيخ دعائم السلام والأمن الدوليين، وتحقيق الاستقرار والازدهار والاحترام المتبادل بين جميع الأطراف.
وفي الإطار نفسه، ظهر مصطلح «الوفاق (Détente)» وهو مصطلح مشتق من اللغة الفرنسية الراقية، ويعني تخفيف حدة التوتر، وذلك لوصف مرحلة حاسمة من خفض التصعيد الجيوسياسي الحاد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، إبان فترة الحرب الباردة الطويلة، بدءًا من عام 1969. وقد تميزت تلك المرحلة بمساعٍ دبلوماسية مكثفة، لم تنهِ الحرب الباردة بشكل كامل، لكنها أسهمت في تقليل حدة التوتر، ومهدت الطريق لعقد معاهدات مهمة للحد من التسلح، وتقليص مخاطر المواجهة النووية التي كانت تهدد العالم.
وبالنظر إلى واقع منطقة الشرق الأوسط المتقلب، فإن المشهد الجيوسياسي في المنطقة تهيمن عليه أحداث دموية مروعة استقطبت اهتمام العالم أجمع، وفي مقدمتها مجازر الإبادة الجماعية البشعة في غزة العزيزة، وحرب التجويع القاسية، والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة والصارخة للقانون الدولي والمواثيق الأممية، وذلك في ظل إصرار إسرائيل العنيد على مواصلة عملياتها العسكرية المدمرة، وتجاهلها التام للرأي العام الدولي والمطالب المستمرة بوقف هذه الاعتداءات.
وقد صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، بنيامين نتنياهو، وبشكل علني وصريح، بعدم استعداده إطلاقًا للتخلي عن السيطرة الأمنية الكاملة على الأراضي الواقعة غربي نهر الأردن، وهو ما يؤكد استمرار الفوضى السياسية والعسكرية التي تمارسها إسرائيل دون رادع حقيقي من المجتمع الدولي. وجاء تصويت الكنيست الإسرائيلي الأخير (الأربعاء 23 من الشهر الجاري)، بالموافقة على مشروع القانون المتعلق بفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية المحتلة وغور الأردن، ليصب المزيد من الزيت على نار التوتر المتصاعد، حيث يهدف هذا المشروع الخطير إلى بسط القانون الإسرائيلي على هذه المناطق الفلسطينية المحتلة، وفرض الهيمنة الإسرائيلية من خلال اتباع سياسات أحادية مدمرة، وتغليب منطق القوة الغاشمة، وهو ما يلقى معارضة شديدة من المملكة الأردنية الهاشمية والجامعة العربية والمجتمع الدولي بأكمله، الذي يعتبر الضفة الغربية أراضٍ محتلة، ويدعو إلى حل الدولتين العادل والشامل.
وفي ظل هذه الأوضاع المتأزمة والملتهبة، فإن تحقيق الاستقرار الإقليمي المنشود يتطلب بذل جهود حقيقية وصادقة لتعزيز التعاون البناء والحوار المثمر بين دول المنطقة. فالمفاوضات الإقليمية الجادة هي الأداة المحورية لتجاوز التوترات التاريخية العميقة والانقسامات الراهنة، وينبغي أن تستند هذه المفاوضات إلى مبادئ القانون الدولي الراسخة، والاحترام المتبادل الصادق، والمصالح المشتركة التي تعود بالنفع على الجميع.
ويدرك المجتمع الدولي بأسره أن ازدهار أي دولة في المنطقة لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن استقرار جيرانها وازدهار البيئة المحيطة بها، مما يفرض تبني مقاربة جماعية شاملة تضع المصلحة الإقليمية العليا فوق الحسابات الضيقة والمصالح الآنية، وشهوة السيطرة والتوسع التي لا طائل منها، والتوترات الأيديولوجية العقيمة المثقلة بالأوهام والصراعات المدمرة.
لقد آن الأوان لتوجيه مسار الجهود بعيدًا عن الحروب الطاحنة والنزاعات العبثية، وتبني نهج جديد ومبتكر في صياغة نظام إقليمي جديد يُعلي من شأن المصالح العربية المشتركة، ويستند إلى مقررات الشرعية الدولية بشأن السلام العادل والشامل، مع وضع القضية الفلسطينية العادلة في قلب هذا النظام الإقليمي الجديد. ويجب أن يكون حل الدولتين هو الأساس الصلب لهذا التوجه، إلى جانب كبح جماح التهور الإسرائيلي الذي يهدد استقرار وأمن سائر دول المنطقة.